الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال فضيلة الشيخ أعلى الله درجته في المهديين: إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً أما بعد: فيوم الجمعة هذا اليوم العظيم يوم جعله الله عيداً للأسبوع، وما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل من يوم الجمعة باعتبار أيام الأسبوع، وخير يوم طلعت عليه الشمس يوم عرفة باعتبار أيام السنة، هذا اليوم يوم العيد منَّ الله به على هذه الأمة، وأضل عنه اليهود والنصارى، فصار لليهود يوم السبت، وصار للنصارى يوم الأحد، وضلوا عن يوم الجمعة الذي فيه ختم الله خلق السموات والأرض؛ لأن الله تعالى خلقها في ستة أيام، وآخرها الجمعة، وفيه ابتداء خلق الله لادم، وفيه أخرج من الجنة وأهبط إلى الأرض، فيكون مبدأ خلق البشر يوم الجمعة، وفيه تقوم الساعة فيكون منتهى الخلق أيضاً يوم الجمعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أنه اختص بفرض صلاة الجمعة، هذه الصلاة العظيمة التي لابد من الجماعة فيها، ولو قدر أن الإنسان صلى وحده يوم جمعة، وقال: أريد أن تكون جمعة. قلنا له: إن صلاتك غير صحيحة، ويجب عليك أن تعيد، فهذه الصلاة لابد فيها من جمع ثلاثة فأكثر، وغيرها من الصلاة تنعقد باثنين بإمام ومأموم، أما الجمعة فلابد فيها من جمع ثلاثة فأكثر، واختلف العلماء في العدد الذي لابد منه في صلاة الجمعة: فمنهم من قال: أربعون رجلاً، فلو كان هناك قرية صغيرة ليس فيها إلا ثلاثون رجلاً فإنهم لا يقيمون الجمعة؛ لأنه لابد أن يكون العدد أربعين. وقال بعض العلماء: يكفي اثنا عشر رجلاً؛ لأن الصحابة الذين انفضوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأوا التجارة لم يبق منهم إلا اثنا عشر رجلاً. فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً يوم الجمعة، فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشررجلاً.، فنزلت هذه الاية التي في الجمعة ومنهم من قال: يكفي في عدد الجمعة ثلاثة، فلو فرض أن قرية ليس فيها سوى ثلاثة نفر فإنها تقام الجمعة؛ لأنه يحصل بهم الجمع: إمام يخطب، ومؤذن يدعو، ومأموم يجيب وقد قال الله تعالى: ولو صلى الإنسان غير الجمعة كالظهر مثلاً صلى وحده تجزئه الصلاة وتبرأ بها ذمته، لكن إن كان ممن تجب عليه الجماعة كان آثماً، وإن كان ممن لا تجب عليه الجماعة كان غير آثم. ومن خصائص هذه الصلاة العظيمة: أنها لا تصح إلا في الوقت، ولهذا قال العلماء: (من شروط صحة الجمعة الوقت) وفي غيرها قالوا: (من شروط الصلاة دخول الوقت) وحينئذ نسأل ما الفرق بين قولنا: (من شروط صحة الصلاة الوقت) وبين قولنا: (من شروط صحة الصلاة دخول الوقت)؟. الفرق هو أننا إذا قلنا (من شروط صحة الصلاة الوقت) أنها لا تصح لا قبله ولا بعده، وإذا قلنا (من شروط صحة الصلاة دخول الوقت) لم تصح قبله وصحت بعده. ولكن هل تصح الصلاة بعد الوقت لمن أخرها عمداً أو لا؟ لا تصح. ومن أخرها نوماً أو نسياناً تصح، والصلاة التي غير الجمعة لو أن الإنسان نام ولم يستيقظ وليس عنده من يوقظه فلم ينتبه إلا حين خرج الوقت فإنها تصح، يصليها وصلاته صحيحة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وكذلك يمكن أن يستدل بقول الله تعالى: ومن خصائص الجمعة أنها لا تكون إلا في الأوطان، في المدن والقرى، وغير الجمعة تقام في أي مكان، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر الأسفار الطويلة وتمر به الجمعة ولم يكن يقيمها في السفر، ولو كانت واجبة على المسافر لأقامها النبي صلى الله عليه وسلم وأعجب أن يوم عرفة في حجة الوداع وافق يوم الجمعة ولم يصلّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الجمعة كما في حديث جابر الطويل الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل في الوادي فخطب الناس خطبة معروفة بليغة، ثم أمر بلالاً فأذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، هكذا قال جابر رضي الله عنه ولقد ضل من قال: إن الجمعة تقام في السفر، وخرج عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه إذا فعل أن يعيدها إذا كان يريد إبراء ذمته وإقامة حجته عند الله عز وجل؛ لأن هذا ليس موضع اجتهاد حتى يقال: لا إنكار في مسائل الاجتهاد، هذا السنة فيه واضحة أجلى من النهار في ارتفاع الشمس، ولا عذر لأحد أن يقيم صلاة الجمعة في السفر إطلاقاً، لكن لو صادف أنك في بلد نازل تريد أن تواصل السفر في آخر النهار وجب عليك أن تصلي مع المسلمين لأن الله يقول: ومن خصائص هذه الصلاة أنه لا يجمع إليها ما بعدها والذي بعدها هو العصر، فلا تجمع صلاة العصر إلى صلاة الجمعة، فلو أن إنسان كان مسافراً نازلاً في بلد ويريد أن يواصل السير بعد صلاة الجمعة وصلى مع الناس صلاة الجمعة فإنه لا يضم إليها العصر؛ لأن السنة إنما وردت في الجمع بين الظهر والعصر، وصلاة الجمعة ليست صلاة ظهر بالاتفاق، فلا أحد يقول: إن صلاة الجمعة صلاة ظهر، وعلى هذا فنقول: واصل السفر، وإذا دخل وقت العصر وأنت في السفر فصل حيثما أدركتك الصلاة. ومن خصائص هذه الصلاة العظيمة أن القراءة فيها جهر وغيرها سر، إلا ما كان مثلها في جمع الناس فيكون جهراً، ولهذا نرى أن صلاة العيدين القراءة فيها جهر، وصلاة الكسوف جهر حتى في النهار، وصلاة الاستسقاء جهر؛ لأن الناس مجتمعون فهذا الاجتماع الموحد جعل القراءة في الصلاة جهراً ولو كانت نهارية. إذن القراءة في صلاة الجمعة جهر بخلاف الظهر؛ وذلك من أجل أن يجتمع هذا الجمع الكبير على قراءة واحدة وهي قراءة الإمام. ومن خصائص صلاة الجمعة أنها تصادف ساعة الإجابة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: وأرجى ساعات الجمعة في الإجابة هي وقت الصلاة لما يأتي: أولاً: لأن ذلك جاء في صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. وثانياً: أن هذا اجتماع من المسلمين على عبادة واحدة، بقيادة واحدة بإمام واحد، وهذا الاجتماع يكون أقرب إلى الإجابة، ولهذا في يوم عرفة حين يجتمع المسلمون على صعيد عرفة يدنو جل وعلا ثم يباهي بهم الملائكة، ويجيب دعائهم. لذلك احرص على الدعاء في هذا الوقت وقت صلاة الجمعة. لكن متى تبتدىء هذه الساعة ومتى تخرج؟ تبتدىء من دخول الإمام إلى أن تنقضي الصلاة، فلننظر الان متى ندعو إذا دخل الإمام وسلم وبعد ذلك شرع المؤذن بالاذان، والاذان ليس فيه دعاء بل فيه إجابة للمؤذن، وبعد الأذان فيه دعاء أي بين الأذان والخطبة فيه دعاء تقول بعد الأذان: يصلح، لأنه دعاء لله تخاطب الله، والممنوع مخاطبة الادميين لكن مخاطبة الله بالدعاء ليست ممنوعة، وهناك محل دعاء آخر في الصلاة بعد التشهد كما في حديث ابن مسعود حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم التشهد ثم قال بعده: ودليل ذلك: إذن الاسم الموصول يفيد العموم فقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود وأما قول بعض الفقهاء: إنه لا يجوز للإنسان في دعائه شيء من ملاذ الدنيا. فإنه قول ضعيف يخالف الحديث. فصار عندنا الان في ساعة الإجابة وقت صلاة الجمعة عدة مواطن للدعاء فانتهز الفرصة بالدعاء في صلاة الجمعة لعلك تصادف ساعة الإجابة. القول الثاني: أن الساعة التي ترجى فيها الإجابة هي ما بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، لكن هذا القول أشكل على بعض العلماء وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ومن خصائص هذه الصلاة أنه يجب الغسل لها كما يغتسل الإنسان للجنابة وجوباً، في الشتاء وفي الصيف والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: وأظن أننا لو قرأنا هذه العبارة في مصنف من مصنفات الفقه لم يبق عندنا شك بأن المؤلف يرى الوجوب، فكيف والناطق به الرسول عليه الصلاة والسلام؟! ثم إن في الغسل فائدة للبدن تنشيطاً وتنظيفاً، ويدل للوجوب ما جرى بين عمر وعثمان رضي الله عنهما كان عمر رضي الله عنه يخطب الناس فدخل عثمان رضي الله عنه في أثناء الخطبة فكأن عمر رضي الله عنه لامه على تأخره قال: والله يا أمير المؤمنين ما زدت على أن سمعت الأذان فتوضأت ثم أتيت، فقال له عمر رضي الله عنه أمام الناس وهو يخطب: (والوضوء أيضاً) يعني تقتصر على الوضوء وتأتي متأخراً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: وكذلك من خصائص هذه الصلاة العظيمة: أنه ليس لها راتبة قبلها؛ لأن المؤذن إذا أذن فالخطيب حاضر سوف يبدأ بالخطبة وإنشاء التطوع في الخطبة حرام، ولو فعل لكان آثماً والصلاة غير مقبولة، إلا فيمن دخل والخطيب يخطب فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الاحتمالات الان أربع: هل نأخذ بالسنة القولية فنقول: سنة الجمعة أربع ركعات، أو بالسنة الفعلية فنقول: سنة الجمعة ركعتان أو نجمع بينهما فتكون السنة ست ركعات، أو نفصل: من العلماء من قال: السنة ركعتان في البيت؛ لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى: ومن العلماء من قال: السنة أربع سواء صلاها في البيت أو في المسجد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ومنهم من قال: الاحتياط أن يأتي بالسنة القولية والفعلية فيصلي ستًّا. أما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ففصل قال: إن صلى في بيته فالسنة ركعتان فقط؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يزد على ركعتين في بيته، وإن صلى في المسجد فأربعاً. وهذا تفصيل لا بأس به. إذن تختص الجمعة أو تفارق الظهر بأنه ليس لها راتبة قبلها، وراتبتها بعدها ركعتان. أما يوم الجمعة فله خصائص: منها: أنه يسن للإنسان أن يقرأ فيه سورة الكهف كاملة وليس في فجر يوم الجمعة كما يفعله بعض الأئمة الجهال، بل في غير الصلاة، لأن فجر يوم الجمعة يقرأ فيه بسورتين معروفتين سورة السجدة، وسورة الإنسان، لكن الكهف يقرأها في غير الصلاة، ويجوز أن يقرأها بعد صلاة الجمعة، أو قبلها فإنه يحصل الأجر، بخلاف الاغتسال فإنه لابد أن يكون قبل الصلاة. ومنها: أنه يقرأ في فجره {ألم تنزيل}. السجدة في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية ومن خصائص يوم الجمعة: إنه ينبغي فيه إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أعظم الخلق حقًّا عليك، أعظم حقًّا من أمك وأبيك، ويجب أن تفديه بنفسك ومالك، فأكثر من الصلاة عليه يوم الجمعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك. ومن خصائص هذا اليوم: إنه لا يصام وحده إلا من صادف عادة فصامه، فلا يمكن أن تفرد يوم الجمعة بصوم، فإما أن تصوم يوم الخميس معه، وإما أن تصوم يوم السبت، إلا من كان يصوم يوماً ويفطر يوماً فصادف يوم الجمعة يوم صومه فلا بأس أن يصوم ولا حرج، وكذلك لو كان يوم الجمعة يوم عرفة صم ولا حرج، وكذلك لو صادف يوم الجمعة يوم عاشوراء صم ولا حرج ولكن يوم عاشوراء يختص بصوم يوم قبله، أو يوم بعده مخالفة لليهود، أما يوم السبت فصومه جائز لمن أضاف إليه الجمعة، وأما بدون الجمعة فلا تصم يوم السبت لا تفرده ما لم يصادف عادة أو يوماً مشروعاً صومه كيوم عرفة، أو يوم عاشوراء. ومن خصائص هذا اليوم: إنه عند بعض العلماء تسن فيه زيارة القبور، لكن هذا ليس بصحيح فإن زيارة القبور مشروعة كل وقت في الليل وفي النهار في الجمعة في الاثنين والثلاثاء والأربعاء في أي وقت تسن أن تزور المقابر، وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه زار البقيع ليلاً، ولا يختص بيوم الجمعة وزيارة القبور لها فائدة عظيمة فإنها تذكر الاخرة، وتذكر الموت، والمقصود بزيارة القبور تذكر الإنسان لحاله أنه الان على ظهر الأرض يتمكن من الأعمال الصالحة وغداً من أهل باطن الأرض الذين لا يتمكنون من العمل الصالح. هذا ما تيسر من خصائص صلاة الجمعة ويوم الجمعة.
بقي هناك مسألة مهمة عظيمة وهي السلام، سلام الناس بعضهم على بعض أهو سنة، أم حرام، أم مكروه؟ السلام سنة، لكن العجب أنك الان تسلم على بعض الناس خارجاً من المسجد أو داخلاً فيه ويستنكر كأنه لم يشرع السلام بين المسلمين، وكأنه في غير بلاد المسلمين، مع أن السلام له فضائل عظيمة منها: أنه سبب لدخول الجنة ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: قال صلى الله عليه وسلم: فيسلم الصغير على الكبير، ويسلم الراكب على الماشي، ويسلم القليل على الكثير، ولا يسلم الإنسان بمنبه السيارة لأنه إذا نهي عن السلام بالإشارة فهذا من باب أولى لكن بعض الناس ينبه بمنبه السيارة ثم يقول: السلام عليكم، فيكون للتنبيه وليس للسلام، ومع ذلك الأولى ألا يفعل وأن يسلم بالقول. وإذا لم يسلم الصغير فسلم أنت أيها الكبير؛ لأنه قد يكون الصغير في تلك الساعة غافلاً لاهياً ساهياً، وقد يكون جاهلاً فأنت سلم لتعلمه، ولهذا كان من هدي محمد صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم على الصبيان إذا مر بهم تواضعاً منه عليه الصلاة والسلام وتعليماً للأمة. والقليل على الكثير: أنت الان معك ثلاثة رجال فالجميع أربعة لاقاكم رجلان ولم يسلما، فتسلم عليهما، ولا نترك السنة تضيع لغفلة، أو سهو، أو استكبار، أو غير ذلك، إذن يسلم الصغير على الكبير، والقليل على الكثير، والراكب على الماشي، والماشي على القاعد، فإذا لم تحصل السنة ممن يطالب بها يسلم الاخر، ومن تواضع لله رفعه الله. وصيغة السلام: السلام عليك إذا كان واحداً، والسلام عليكم إذا كانوا جماعة، والدليل: أن رجلاً جاء فدخل المسجد فصلى صلاة لا يطمئن فيها ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله، فرد عليه السلام وقال: ولا يجوز أن يُسلم المؤمن على الكافر ابتداءً فلو مررت على إنسان كافر مجوسي أو يهودي أو نصراني فلا يُبدأ بالسلام والدليل على ذلك: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: قال أهل العلم: إن هذا يدل على أنه لو قالوا: السلام. باللام الواضحة فإنه يقال عليكم السلام ولا بأس، لعموم قوله تعالى: لذا فباب التأول واسع، ونقتصر على هذا القدر، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. درس في فضائل يوم الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم قال فضيلة الشيخ جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد: فيوم الجمعة هو عيد الأسبوع الذي هدى الله سبحانه وتعالى الأمة إليه، وأضل عنه اليهود والنصارى، فكان لليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد. وفي يوم الجمعة ابتداء الخلق، وفيه انتهاء الخلق، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه. ومن خصائص يوم الجمعة: أنه لا يخص يومه بصيام ولا ليلته بقيام، بل ينهى الإنسان أن يصوم يوم الجمعة على وجه التخصيص لهذا اليوم، أما إذا كان من عادته أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، فصادف يوم صومه يوم الجمعة فلا بأس، وكذلك لو كان عليه قضاء من رمضان ولا يفرغ لصوم القضاء إلا يوم الجمعة فلا بأس؛ لأنه لم يخصصه. وكذلك نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام، يعني ألا يقوم الليل إلا ليلة الجمعة، بل إن كان من عادته أن يقوم في ليلة الجمعة وفي غيرها، وإلا فلا يخص ليلة الجمعة بقيام. ومن خصائص هذا اليوم: أنه يجب على الإنسان أن يغتسل فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ومن خصائص يوم الجمعة: أن فيه هذه الصلاة التي تخالف غيرها من الصلوات: فهي جهرية مع أنها صلاة نهارية، ولكننا لو تأملنا وجدنا أن الصلاة النهارية إذا كانت صلاة يجتمع الناس إليها فيشرع فيها الجهر، كما في صلاة العيد وصلاة الكسوف، والأفضل فيها أي صلاة الكسوف أن يجتمع الناس في المساجد الجوامع، وأن يجهر الإمام بالقراءة وأن يخطبهم إذا فرغ من الصلاة خطبة يعظهم فيها، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. ومن خصائص هذا اليوم: أن فيه هذه الساعة التي أشرنا إليها: ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه. واختلف العلماء في تعيين هذه الساعة على أكثر من أربعين قولاً، لكن أقرب الأقوال فيها قولان: الأول: أنها ما بين أن يخرج الإمام إلى الناس للصلاة حتى انقضاء الصلاة. فإن هذا أرجى الأوقات موافقة لساعة الإجابة، لما رواه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وهي ساعة يجتمع المسلمون فيها على فريضة من فرائض الله ويدعون الله فيها، فهي أقرب ما تكون موافقة لساعة الإجابة، ولهذا ينبغي أن يحرص الإنسان في هذه الساعة على الدعاء، ولاسيما في الصلاة، ومحل الدعاء في الصلاة إما في السجود، وإما في الجلسة بين السجدتين، وإما بعد التشهد فينبغي للإنسان أن يحرص على الدعاء في صلاة الجمعة، وأن يستشعر أن هذا من أرجى أوقات يوم الجمعة إجابة. القول الثاني: أنها بعد العصر، والإنسان بعد العصر قد يكون قائماً يصلي، كما لو دخل المسجد قبل غروب الشمس فإنه يصلي ركعتين لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ومن خصائص هذا اليوم: أنه ينبغي للإنسان أن يبكر في الحضور إلى المسجد، فإن من اغتسل يوم الجمعة ثم جاء إلى المسجد في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، وفي الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، وفي الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، وفي الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، وفي الساعة الخامسة كأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة وطويت الصحف ولم يكتب لأحد أجر التقدم، لأن وقت التقدم انتهى بحضور الإمام. وأنصح إخواني المسلمين بالتقدم إلى الجمعة لأننا نجد الكثير يضيعون الوقت فيما لا فائدة فيه فيحرمون أنفسهم من هذا الأجر، ولو أنهم تقدموا بعد الاغتسال، ثم صلواما يسر الله لهم، وجلسوا يقرأون القرآن، ويذكرون الله حتى يحضر الإمام، أو يصلون حتى يحضر الإمام لكان خيراً لهم. والله الموفق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. 1911 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى : هل يجب الحضور لسماع الخطبة وإن كان الخطيب يتكلم بغير العربية؟ فأجاب فضيلته بقوله: ظاهر قوله تعالى: 2911 وسئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى : ما القول الراجح في حضور المرأة لصلاة الجمعة؟ فأجاب فضيلته بقوله: القول الراجح أنه لا يسن لها الحضور لصلاة الجمعة ولا لغيرها إلا صلاة العيد، فإن صلاة العيد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج لها النساء، وما عدا ذلك فهو مباح، لكنه ليس بمرغوب، وعلى المرأة إذا خرجت لصلاة العيد، أو للصلوات الأخرى، أو لحاجة في السوق أن تخرج غير متبرجة بزينة، ولا متطيبة وتمشي بحياء. * * * 3911 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى : أنا أشتغل حارس أمن، وأحياناً يُطلب مني الدوام يوم الجمعة، فلا أستطيع أن أؤدي صلاة الجمعة مع المسلمين فهل يجوز ذلك؟ وهل أصلي الصلاة ظهراً أم أصليها ركعتين؟ فأجاب فضيلته بقوله: نعم يجوز لك أن تحرس ولو فاتت الجمعة، مادام المكان محتاجاً إلى الحراسة، وفي هذه الحال يجب عليك أن تصليها ظهراً، ولا يجوز أن تصليها جمعة. * * * رسالة عن جواز تخلف العاملين المسؤولين عن مواقع حساسة فضيلة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله تعالى عضو هيئة كبار العلماء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، أود أن أفيدكم بأن مدير مكتبنا في ..... كتب إلينا بأن أحد المستشارين في مجال الموارد البشرية ..... طلب منه أن يستفتي أهل العلم عن مسألة جواز تخلف العاملين المسؤولين عن مواقع حساسة بالمرافق الكبرى مثل مصانع البتروكيماويات ومحطة الطاقة عن أداء فريضة الجمعة، حيث أن توقف آلياتها وإعادة تدويرها للوصول بها إلى مستوى الإنتاج المطلوب ينتج عنه خسارة مادية كبيرة تساوي ملايين الدولارات مما يؤثر على استراتيجيات الصناعات الوطنية في تلك البلاد. وعليه يرجى التفضل بتزويدنا بفتواكم في هذا الأمر لننقلها لهم حسب طلبهم. أفادكم الله. وتقبلوا فائق التقدير والاحترام المحب لكم فأجاب فضيلته بقوله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. إذا كان ذهابهم إلى الجمعة يحصل به خسارة كبيرة فإن المباشرين للعمل يُعذرون بترك صلاة الجمعة، ويصلون بدلها ظهراً؛ لكن ينبغي أن يقتصر على أقل عدد يحصل به المطلوب، وأن يعمل العمال بالتناوب هذا جمعة وهذا جمعة. أما إذا كان لا يحصل به خسارة ولكن يفوت به ربح، فالواجب أن يصلوا الجمعة، لقول الله تعالى: * * * 4911 وسئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى : عن رجل قطعت قدمه في حادث وأصبح لا يستطيع ثنيها ويشعر بأنه يضايق الناس في صلاة الجمعة بمد رجله فهل له أن يصلي في بيته، علماً بأنه يصلي بقية الصلوات في المسجد؟ فأجاب فضيلته بقوله: المنصوص عليه شرعاً أن صلاة الجمعة بالمسجد فرض عين على كل مسلم متى توفرت شروطها. ولا يسقط أداؤها إلا إذا فقد شرط من شروطها. وبما أن السائل يقرر أنه يؤدي الصلاة فعلاً في المسجد في جماعة، وأن الذي جعله يمتنع عن ذلك هو شعوره وشعور بعض المصلين بالضيق من مد رجله لعدم قدرته على ثنيها، فهذا ليس عذراً يمنعه من صلاة الجمعة مع قدرته على أداء الصلاة فعلاً، إذ يستطيع أن يتفادى ذلك بوقوفه بجانب الجدار في آخر الصف أو بأية صورة أخرى . والله أعلم. * * * رسالة بسم الله الرحمن الرحيم من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم....... حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كتابكم الكريم المؤرخ 32 رمضان 7931ه وصل، سرني صحتكم الحمد لله على ذلك، وأسأله أن يتم نعمته على الجميع ويرزقنا شكرها، كما سرني نبأ وصول جوابي على كتاب الأخ .... حول تأخير صلاة العيد، وأشكر جمعيتكم على عنايتها بذلك، وأسأل الله أن يرزقنا جميعاً البصيرة في دينه والثبات عليه. كما أفيدكم بأني أحب مواصلة الكتابة والتعرف على أحوال الجمعية لأن هذا يهم الجميع. وقد تضمن كتابكم المذكور أربع مسائل بل خمساً: المسألة الأولى: تأسيس مركز إسلامي في مدينة.... وأنا أؤيد فكرة تأسيسه للأسباب التي ذكرها مؤيدوا الفكرة، ولما فيه من ظهور شأن الإسلام، وبيان اعتزاز أهله به وعنايتهم بشؤونه، ثم إنه لابد أن يلفت نظر أهل المدينة فيجتمع إليه من يمكن دعوته إلى الإسلام فيسلم إذا خلصت نية الداعي، وسلك طريق الحكمة في دعوته، ففكرة تأسيسه فكرة جيدة نبيلة نافعة للإسلام والمسلمين إن شاءالله. والأسباب التي ذكرها المعارضون مدفوعة بكون بعضها غير وارد إطلاقاً وبعضها غير مؤثر. أ فنقل الأموال المسلمة إلى بلد الكفر ليس لمصلحة بلد الكفر بل لمصلحة المسلمين، وهاهم طلبة المسلمين يفدون للدراسة إلى بلد الكفر وينفقون أموالاً كثيرة في نفقاتهم الضرورية والكمالية ينتفع بها بلد الكفر، ولكن لما كانت لمصلحة أبناء المسلمين لم يتوجه أحد إليها بالمعارضة، وعلى فرض قلة وجود الطلبة، أو انعدامهم بالكلية ورجوع المركز إلى دولة الكفر فإن انتفاع المسلمين به مدة بقائهم في المدينة كافٍ في تبرير تأسيسه. ب كون قلة الإعداد لا تستحق المركز مدفوع بأن هذا المركز يقوي هذه القلة ويشجعها على الاجتماع، والعمدة على الكيفية دون الكمية، كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والناس ألف منهم كواحد، وواحد كالألف. ج والذي يحدث إذا عاد مجلس الإدارة لأوطانهم مجهول، لكن ينبغي للمؤمن أن يحسن الظن بالله، وقد يهيىء الله لهذا المركز من هم أشد حماساً وقوة من مؤسسيه. ه وجود مناطق أهم من منطقة ..... قد يكون وارد لكنه غير مؤثر إذ ليس هناك تعارض بين فتحه في .... وفتحه في المناطق الأهم لإمكان فتحه في الجميع. نعم لو فرض أنه دار الأمر بين أن يفتح في ...... وفي المناطق الأهم بحيث لا يفتح في الجميع لكان تقديم الأهم والأنفع أولى. لكن الأمر لم يكن على هذا الفرض. و شكهم بأن هذا المشروع يستحق هذا الجهد الكبير لا يمنع من إقامة المشروع؛ لأن هذا الشك شيء قائم في نفوسهم فلا يحكم به على الحقيقة التي يراها غيرهم من أن هذا المشروع مشروع جيد نبيل نافع يستحق الكثير من الجهد المالي، والبدني، والوقتي، ولا مانع من أن نكون طلاباً للعلم ودعاة إلى الله تعالى مجاهدين في سبيله. ز وليس في إقامة المركز تشجيع لحضور أبناء المسلمين إلى بلاد الكفر فإنه لن يحضر أحد من أبناء المسلمين إلى بلاد الكفر من أجل أن فيها مركزاً إسلامياً، وإنما يحضر من يحضر لأغراض أخرى تقتضيها مصلحته، أو حاجته سواء كان فيها مركز إسلامي أم لا، وإذا لم تكن تلك الأغراض فلن يحضر سواء كان فيها مركز إسلامي أم لا. هذا جوابنا على إيرادات المعارضين للفكرة. المسألة الثانية: إقامتكم الجمعة في البلد التي أنتم فيها، والحكم فيها يتحرر بتحرير الأمور التالية: أ هل تقام الجمعة في السفر؟ ب هل يشترط لها عدد معين؟ ج هل تقام في غير البلاد الإسلامية؟ فأما الأول: فإن جمهور العلماء على أن الجمعة لا تقام في السفر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين وأصحابه كانوا يسافرون ولا يقيمون الجمعة، فهذه حجة الوداع آخر سفر سافره النبي صلى الله عليه وسلم وصادف يوم الجمعة فيه يوم عرفة، ولم يصلِّ النبي صلى الله عليه وسلم فيه صلاة الجمعة، قال جابر رضي الله عنه في حديثه الطويل الذي رواه مسلم في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: وعلى هذا فإذا لم يكن في البلد التي أنتم فيها جماعة من المسلمين مستوطنون فإنها لا تقام فيها الجمعة؛ لأن المقيمين فيها من الطلاب الذين نيتهم تركها بعهد انتهاء دراستهم ليسوا مستوطنين فلهم حكم المسافرين في عدم إقامة الجمعة، بل هم مسافرون على ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لهم حكم المسافرين في كل شيء. أما إن كان في البلد التي أنتم فيها جماعة من المسلمين مستوطنون فإن الجمعة تقام فيهاوتصلونها معهم. ب وأما الثاني: فإن العلماء، أو أكثرهم إلا من شذّ، مجمعون على اشتراط العدد للجمعة، وأنها لا تصح من المنفرد، لكنهم مختلفون في قدر العدد المشترط. فمنهم من قدره بخمسين. ومنهم من قدره بأربعين. ومنهم من قدره باثني عشر. ومنهم من قدره بثلاثة. ومنهم من قدره باثنين. وهناك آراء أخرى، وليس في المسألة دليل ظاهر لترجيح هذه الأقوال بعضها على بعض، وأقرب الأقوال تقديرها بثلاثة: خطيب، ومستمعين اثنين، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ورواية عن الإمام أحمد رحمه الله وقول الأوازعي إمام أهل الشام في عصره رحمه الله . وعلى هذا فإذا كان في البلد التي أنتم فيها ثلاثة فأكثر من المسلمين مستوطنون فأقيموا الجمعة وإن لم تبلغوا أربعين أما إن كان المستوطنون من المسلمين لا يبلغون ثلاثة فلا تقيموا الجمعة. ج وأما الثالث: فموضع خلاف بين أهل العلم فمنهم من قال: لا تقام في غير البلاد الإسلامية؛ لأنها ليس فيها سلطان مسلم ولا نائب عنه؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم الجمعة في مكة مع استيطانه فيها قبل الهجرة، ومن العلماء من قال: تقام في غير البلاد الإسلامية وليس من شرطها السلطان أو نائبه؛ لأنه لا دليل لذلك، وأما كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يقمها بمكة فالجمهور من أهل العلم على أن الجمعة لم تفرض إلا بعد الهجرة. وعلى تقدير أنها فرضت قبلها فالنبي صلى الله عليه وسلم بمكة لا يتمكن من إقامتها لما علم من معارضة المشركين له. وعلى هذا فيكون القول الراجح إقامة الجمعة في غير البلاد الإسلامية إذا أمكن ذلك وكان في البلد جماعة من المسلمين مستوطنون ثلاثة فأكثر. والمستوطن من اتخذ البلد موطناً ومستقرًّا لا من أقام فيه لغرض ونيته أن يفارقه إذا انتهى غرضه سواء كان الغرض دراسة أم غيرها. المسألة الثالثة: اللحم المذكى. فلا يخفى عليكم فيما أظن أن السمك بجميع أنواعه لا يحتاج إلى ذكاة فهو حلال سواء اصطاده مسلم أم كتابي أم غيرهما، وسواء صيد حيًّا أم ميتاً لعموم قوله تعالى: وأما حيوان البر فلا يحل إلا بذكاة في محل الذبح والنحر وهو الرقبة ينهر فيها الدم بقطع الودجين، وهما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم، وكمال الذكاة بقطع الحلقوم والمريء معهما، ولابد من قول بسم الله عند الذبح أو النحر، وأن يكون المذكي مسلماً، أو كتابيًّا وهو اليهودي أو النصراني. وإذا وجدنا لحماً نعلم أن الذي ذكاه مسلم أو كتابي فهو حلال، إلا أن نعلم أنه ذكي على غير الوجه الشرعي، أو أن الذي ذكاه لم يقل بسم الله عند التذكية، وذلك أننا إذا وجدنا لحماً ذكاه مسلم أو كتابي فلنا ثلاث حالات: أحدها: أن نعلم أنه ذكاه على الوجه الشرعي وسمى الله، فلا شك في حله. الثانية: أن نعلم أنه ذكاه على غير الوجه الشرعي، أو لم يسم الله عند الذبح، فلا شك في تحريمه. الثالثة: أن نجهل كيف وقعت التذكية، فهذا مشكوك فيه، لكن النصوص تدل على حله تسهيلاً على العباد، ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن قوماً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن قوماً يأتوننا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وعلى هذا فما يجلب في أسواقكم من اللحم الذي ذكاه أهل الكتاب من اليهود والنصارى يكون حلالاً لكم وإن لم تعلموا كيف تذكيتهم له، ولا يكون حراماً إلا أن تعلموا أنهم يذكونه على غير الوجه الشرعي، أو لا يسمون الله عليه، وإذا علمتم ذلك فهو حرام ولا يبرر حله لكم كون الرجل المسلم يتخلف عن الذبح أحياناً، أو يرفع سعر اللحم الذي عنده، وإني لأسأل ألا يمكن أحدكم أن يذهب إلى المجزرة فيذبح بيده؟ المسألة الرابعة: في زكاة الفطر وزكاة المال حيث لا يوجد في ..... من يستحقها، وحل هذه المشكلة يسير وذلك بأن توكلوا من يخرجهما عنكم إما في بلادكم الأصلية أو غيرها من البلاد التي فيها أحد من أهل الزكاة، ولا يصح صرفها لحساب المركز الإسلامي المزمع إنشاؤه في .... لأنه ليس من مصارف الزكاة، فإن المراد بقوله تعالى: {في سبيل الله} خصوص الجهاد في سبيل الله كما هو قول الجمهور من أهل العلم، وليس المراد به عموم المصالح كما قاله بعض المتأخرين، إذ لو كان كما قال لضاعت فائدة الحصر المستفادة من قوله المسألة الخامسة: في إعفاء اللحية، فإعفاء اللحية من سنن المرسلين السابقين واللاحقين، قال الله تعالى عن هارون أنه قال لأخيه شقيقه موسى: {قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلاَ بِرَأْسِى إِنِّى خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى إِسْرءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِى } وكان خاتمهم وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم قد أعفى لحيته، وكذلك كان خلفاؤه، وأصحابه، وأئمة الإسلام وعامتهم في غير العصور المتأخرة التي خالف فيها الكثير ما كان عليه نبيهم صلى الله عليه وسلم وسلفهم الصالح رضوان الله عليهم، فهي هدي الأنبياء والمرسلين وأتباعهم، وهي من الفطرة التي خلق الله الناس عليها كما ثبت ذلك في صحيح مسلم، ولهذا كان القول الراجح تحريم حلقها كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفائها وتوفيرها. وأما كون الحكمة من إبقائها مخالفة اليهود وانتفت الان فغير مسلَّم؛ لأن العلة ليست مخالفة اليهود فقط بل الثابت في الصحيحين خالفوا المشركين، وفي صحيح مسلم أيضاً خالفوا المجوس، ثم إن المخالفة لهؤلاء ليست وحدها هي العلة؛ بل هناك علة أخرى أو أكثر مثل موافقة هدي الرسل عليهم الصلاة والسلام في إبقائها، ولزوم مقتضى الفطرة، وعدم تغيير خلق الله فيما لم يأذن به الله، فكل هذه علل موجبات لإبقائها وإعفائها مع مخالفة أعداء الله من المشركين والمجوس واليهود. ثم إن ادعاء انتفائها غير مسلم، فإن أكثر أعداء الله اليوم من اليهود وغيرهم، يحلقون لحاهم، كما يعرف ذلك من له خبرة بأحوال الأمم وأعمالهم، ثم على فرض أن يكون أكثر هؤلاء اليوم يعفون لحاهم، فإن هذا لا يزيل مشروعية إعفائها؛ لأن تشبه أعداء الإسلام بما شرع لأهل الإسلام لا يسلبه الشرعية، بل ينبغي أن تزداد به تمسكاً حيث تشبهوا بنا فيه وصاروا تبعاً لنا، وأيدوا حسنه ورجعوا إلى مقتضى الفطرة. وأما كون بعض الدول الإسلامية يعتبرون اللحية تطرفاً دينياً، فإننا نسأل: ماذا يعنون بالتطرف؟ أيعنون التطرف إلى زاوية الانحراف؟ أم إلى زاوية التمسك والحفاظ على شعار المسلمين، وهدي النبيين، والمرسلين؟ فإن أرادوا الأول فاعتبارهم غير صحيح، وكيف يكون هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه وأصحابه، وسلف الأمة تطرفاً إلى زاوية الانحراف؟! ومن اعتبر ذلك تطرفاً إلى زاوية الانحراف فقد طعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه وصار هو المتطرف. وإن أرادوا الثاني فنحن سنتمسك بديننا، ونحافظ على شعارنا، وهدي الأنبياء والرسل، وليعتبروه ما شاؤوا من تطرف أو توسط، فالحق لا ينقلب باطلاً باعتبار المفاهيم الخاطئة، كما لا ينقلب الماء الزلال زعافاً باعتبار فساد ذوق المريض. وأما توهم التعرض للخطر بإعفاء اللحية، فهذا من الوساوس التي لا حقيقة لها، وإنما يلقيها الشيطان في القلب، ثم إن قدر لها حقيقة فالواجب على المسلم أن يصبر إذا أوذي في الله وأن لا يجعل فتنة الناس كعذاب الله. أسأل الله أن يعيننا جميعاً على التمسك بشعائر الإسلام، وهدي خير الأنام، ظاهراً وباطناً، وأن يجعلنا هداة مهتدين، وأن يهب لنا من لدنه رحمة، إنه هو الوهاب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. * * *
|